"قلق ومتاعب محتملة".. كيف تواجه شركات المجوهرات جنون أسعار الذهب؟

نشر
آخر تحديث

استمع للمقال
Play

في ظل الاضطرابات الاقتصادية العالمية، تشهد أسعار المعادن النفيسة ارتفاعاً مطرداً، وزاد الذهب بأكثر من النصف هذا العام، ورغم زيادة إقبال المستثمرين رغبة في نيل حظهم من المكاسب الكبيرة، فإن شركات المجوهرات في المقابل قلقة بشأن تلك التطورات وتبحث عن طرق لمواجهة تداعياتها على أعمالها.

وبالنسبة لشركات المجوهرات متوسطة الحجم التي تسعى إلى تقديم عقود ذهبية، وأقراط، وغيرها من المجوهرات الراقية بأسعار أقل من العلامات الفاخرة التقليدية، فقد تشكّل العقود الآجلة للذهب مصدر قلق لها، بحسب تقرير لشبكة CNBC.

وعلى الرغم من أن الذهب غالباً ما يخضع لتقلبات السوق، فإن المستثمرين زادوا من حيازاتهم خلال العام الماضي بسبب مخاوف الركود وعدم اليقين في السوق، وفقاً لغولدمان ساكس. 


اقرأ أيضاً: العقود الآجلة للذهب تسجل مستوى تسوية أعلى من 4000 دولار لأول مرة


 

استمرار ارتفاع أسعار الذهب

تسير أسعار الذهب بخطى ثابتة نحو تحقيق مكاسب بأرقام مزدوجة للعام الثالث على التوالي، حتى أنها سجل مستويات قياسية هذا الأسبوع خلال فترة إغلاق الحكومة الأميركية.

ويوم الثلاثاء، تجاوزت العقود الآجلة للذهب مستوى 4000 دولار للأونصة لأول مرة في التاريخ، بينما لا تظهر أي علامات على التباطؤ أو تراجع الأسعار.

وكتب محللون من بنك UBS، الأسبوع الماضي، أن خفض معدلات الفائدة، وضعف الدولار، وعدم اليقين السياسي، كلها عوامل ستواصل دعم أسعار الذهب للاستمرار في الارتفاع.

وعبر مذكرة، كتب محللو UBS: "نتوقع الآن أن تبلغ التدفقات الداخلة لهذا العام ما يعادل 830 طناً مترياً، وهو ما يقارب ضعف توقعاتنا الأولية البالغة ما يعادل 450 طناً مترياً في بداية العام". 

وأضافوا: "يتمثل الخطر الرئيسي على الذهب في تحسن النمو الاقتصادي الأميركي، وفي حال اضطرار الاحتياطي الفدرالي إلى رفع معدلات الفائدة بسبب مفاجآت ارتفاع التضخم".

وفي تقرير له يوم الاثنين، رفع بنك غولدمان ساكس توقعاته لسعر الذهب في ديسمبر/ كانون الأول 2026 إلى 4900 دولار للأونصة، مقابل تقديرات سابقة عند 4300 دولار، مشيراً إلى تدفقات قوية في صناديق المؤشرات المتداولة في الغرب واستمرار مشتريات البنوك المركزية.

وفي تقرير سابق، أشار محللو البنك إلى أنهم يتوقعون استمرار البنوك المركزية في شراء الذهب لثلاث سنوات أخرى. وكتبت المحللة لينا توماس: "منطقنا هو أن البنوك المركزية في الأسواق الناشئة لا تزال تمتلك نسباً منخفضة نسبياً من الذهب مقارنة بنظيراتها في الأسواق المتقدمة، وهي تعمل تدريجياً على زيادة مخصصاتها كجزء من استراتيجية تنويع أوسع".

ووفقاً لبيانات استطلاع يوليو/ تموز الصادر عن مجلس الذهب العالمي، يتوقع حوالي 95% من البنوك المركزية ارتفاع احتياطيات الذهب العالمية في العام المقبل.

ويأتي هذا الغموض في ظل اقتصاد عالمي مضطرب أصلاً، يعاني من جراء تغيير سياسات التعرفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب. فرغم أنه أوضح في أغسطس أن الذهب لن يخضع للتعرفات الجمركية، وأن السبائك السويسرية لن تخضع للرسوم الجمركية البالغة 39%، فإن الرسوم الجمركية الباهظة التي فرضها ترامب على دول أخرى عطّلت سلسلة التوريد العالمية.

 


اقرأ أيضاً: رالي الذهب مستمر.. بماذا ينصح الخبراء للاستثمار بالمعدن الأصفر؟


 

قلق في شركات المجوهرات

بالنسبة لتجار المجوهرات، قد يكون ارتفاع سعر الذهب مدعاة للقلق. وأشارت شركات تجزئة كبرى مثل باندورا وسيغنت إلى أنها تستكشف رفع الأسعار أو طرق تصنيع بديلة لمواجهة الضرر الذي يلحق بها من الذهب.

كما أن بعض شركات المجوهرات التي تسعى لتقديم منتجات ذهبية بأسعار أقل، مثل مجوري، تشعر بالضغط أيضاً.

وأعلنت مجوري، التي تهدف إلى بيع الذهب والمجوهرات الفاخرة بأسعار معقولة أكثر من منافسيها، في سبتمبر/ أيلول، أنها مضطرة لرفع أسعارها بسبب ارتفاع تكلفة الذهب والفضة والرسوم الجمركية.

وكتبت مجوري في رسالة بريد إلكتروني إلى العملاء: "بينما نبذل قصارى جهدنا لاستيعاب التأثير والحفاظ على الجودة والحرفية التي تتوقعونها منا، سترون بعض التحديثات في الأسعار يوم الاثنين 29 سبتمبر". 

وأضافت الشركة: "نحن نتعامل مع هذه التحولات بشكل مباشر: نبسط سلسلة التوريد لدينا، ونعزز مصادر التوريد، ونصمم مع مراعاة التسعير".

وذكرت مجوري أنها تبتكر أيضاً منتجات جديدة مثل الذهب الخالص عيار 10 قيراط لمواصلة تقديم مجوهرات عالية الجودة بأسعار معقولة.

 


اقرأ أيضاً: لماذا تشهد أسواق الأسهم والذهب في 2025 لحظات لا تتكرر كثيراً؟


 

كيف تتصرف الشركات؟

ومع ارتفاع سعر الذهب دون أي بوادر توقف، تضطر بعض شركات المجوهرات إلى الابتكار في تسعيرها ومنتجاتها.

وفي تقرير أرباحها للربع الثاني الصادر في شهر أغسطس/ آب، قالت شركة باندورا إنها واجهت انخفاضاً قدره 0.8% في هامش ربحيتها بسبب ارتفاع أسعار الذهب والفضة، وإنها تخطط لإجراء بعض التعديلات السعرية لتعويض هذه التأثيرات السلبية. وفي أحدث مكالمة أرباح لشركة سيغنت في أوائل سبتمبر، قالت الشركة إنها شهدت زيادة في تكلفة الذهب بأكثر من 30%.

وتقدم شركة باوبِل بار، المتخصصة في المجوهرات الفاخرة، مجموعة كبيرة من قطع الذهب "شبه الفاخرة"، والتي قالت المؤسسة المشاركة لها دانييلا ياكوبوفسكي إنها سمحت للشركة بتجنب وطأة ضغط أسعار الذهب إلى حد ما.

وتتميز مجوهرات الشركة شبه الفاخرة بطبقة سميكة وعالية الجودة من الذهب عيار 18 قيراطاً يتم طلاء قاعدة من الفضة الإسترليني بها، مما يسمح لشركة باوبِل بار بتجنب التكاليف المرتبطة بمجوهرات الذهب الخالص. وتتراوح أسعار أقراط العلامة التجارية شبه الفاخرة بين 50 و150 دولاراً.

وقالت ياكوبوفسكي لشبكة CNBC: "لقد شهدنا بالفعل زيادة هائلة في الاهتمام بالذهب شبه الخالص. أعتقد أنه يوفر بديلاً رائعاً للذهب الخالص... ستحصل على جودة رائعة مماثلة بسعر أقل".

مع ذلك، قالت ياكوبوفسكي إنه من المثير للقلق أن الأحداث المهمة التي تؤثر على الاقتصاد العالمي تحدث بمعدلات أعلى مما كانت عليه قبل خمس سنوات. وأضافت أنها لم تشهد شيئاً متقلباً مثل الارتفاع الصاروخي لسعر الذهب في هذه الصناعة "لفترة طويلة".

وذكرت أن الحل يكمن في استفادة الشركات من قدرتها على اتخاذ خيارات ذكية.

 


اقرأ أيضاً: غولدمان ساكس يرفع توقعاته لسعر الذهب إلى 4900 دولار للأونصة بنهاية 2026


 

القطع المطلية بالذهب

بالنسبة لأليكسيس بيطار، الرئيس التنفيذي لشركة المجوهرات التي تحمل اسمه، فإن الخيار الذكي يعني التوجه نحو إنتاج القطع المطلية بالذهب، مما يسمح للشركة بتوفير التكاليف مقارنةً بالذهب الخالص، ورفع الأسعار قليلاً لتتناسب مع المنتجات الجديدة.

لكن بيطار أكد أن الشركة لن تعيد تسعير أي من منتجاتها الحالية.

وقال بيطار: "أنت طوال الوقت توازن بين الرسوم الجمركية وتسارع ارتفاع أسعار الذهب، حتى تبقى ضمن نطاق السعر الذي يعرفك به الزبائن".

وأضاف: "من جانب المستهلكين، لا يكترثون حقاً. يدركون بشكل عام أن أسعار الذهب آخذة في الارتفاع... لكن في أعماقهم، لديهم سقف سعري لا شعوري لما يرغبون في إنفاقه، وعندما تبدأ في تجاوزه كثيراً، فإنك تُخرجهم فعلياً من دائرة الشراء".

وذكر بيطار أن شركته تشهد مستهلكاً "حذراً"، لكن أي تراجع في الإنفاق يُرجّح أن يكون مرتبطاً بالذهب الخالص أكثر من الذهب المطلي، وأن قاعدة المستهلكين الأثرياء أكثر استعداداً لدفع أسعار أعلى من المتسوقين من ذوي الدخل المنخفض أو المتوسط.

 


اقرأ أيضاً: لماذا ينصح راي داليو المستثمرين بزيادة حصة الذهب في محافظهم إلى 15%؟


 

متاعب محتملة

حتى بالنسبة لشركة روان لثقب الأذن، التي تُقدم أيضاً مجوهرات ذهبية، فإن التغير السريع في صناعة الذهب قد يشير إلى متاعب محتملة. وقالت الرئيسة التنفيذية للشركة لويزا شنايدر، لشبكة CNBC، إنه من الصعب تخيّل أي صناعة أخرى ارتفعت تكاليف المواد الخام فيها بشكل كبير مثل الذهب.

ولأن ثقب الأذن يتطلب استخدام كمية معينة من الفولاذ الجراحي أو التيتانيوم لضمان التئام مثالي، غالباً ما تستخدم "روان" الذهب عيار 14 قيراطاً لطلاء هذه المواد، مما يجعل الشركة "محصنة جزئياً" عن ارتفاع سعر الذهب نظراً لالتزامها بمعايير معينة للصحة والسلامة.

مع ذلك، قالت لويزا شنايدر إن الشركة اضطرت إلى رفع أسعار بعض قطعها الذهبية في بداية الربع الثالث، والتي قالت إن العملاء على استعداد لدفع ثمنها نظراً لتخصص الشركة في توظيف ممرضات مدربات لإجراء عمليات الثقب.

وأضافت شنايدر: "هذا مؤشر على الخوف. ومن وجهة نظري، هذا أمر مقلق للغاية". وأضافت: "نتوقع ألا نشهد انخفاضاً كبيراً في الأسعار الحالية - بل نتوقع أن يظل الذهب مرتفع الثمن. لذلك سنواصل التحوط والعمل بشكل وثيق مع موردينا".

وذكرت أنها تشهد "نقطة تحول" في سعر الذهب، وأن هذا الأمر يُثير قلق جميع شركات المجوهرات، وخاصةً تلك التي لا تستطيع رفع أسعارها لمواجهة التكاليف لأنها تبيع لعملاء من خارج شريحة الترفيه، وهم أقل مرونة تجاه تغيّر الأسعار.

وقالت شنايدر إن هذا يُمثل في نهاية المطاف إشارة تحذير للاقتصاد الأوسع، حتى وإن لم يكن له تأثير كبير على شركة روان.

وأضافت شنايدر: "الطلب لا يأتي من المستهلكين الراغبين في ارتداء الذهب أو من الصناعات التي تتطلبه كمكون في التصنيع، بل من اكتناز الذهب في ظل حالة عدم اليقين بشأن الدولار الأميركي، وهو أمرٌ لم نشهده من قبل".

تابعونا على منصات التواصل الاجتماعي

الأكثر تداولاً

    أخبار ذات صلة

    الأكثر قراءة

    الأكثر تداولاً

      الأكثر قراءة